فلسطينيو الخيمة والثورات العربية

01.07.2011 02:48 PM

ايمان سعيد

لم امتهن السياسة يوماً ولم أُمْتهن فيها لصالح حزب أو تنظيم أو ميليشيا.. فلسطين كانت أقرب ما يكون لوطن أسكنه بحكايا جدتي قبل النوم ولون بشرتي التي أملك من جينات وراثية .. أما بعض مولدي وهويتي وجواز السفر ومدن الارتحال والإقامة فكان مرهوناً لاختلاطات الظرف وإمكانيات العيش وفرز مناطق الحدث بين الثمانية والأربعين والسبعة والستين .. لن أدعي الوعي المبكر بفلسطين القضية.. والهَم .. والوطن المحتل، فأنا ولدت في مدن الزيت وأبراج الإسمنت، وحصلت على بعض رفاهيات أبناء هذه المدن من ركوب السيارات والتسوق في «المولات».. وروّس جواز سفري بأكثر من شنغن، متعني بفرصة السفر لأوروبا ذلك الجواز الذي يملك أثر الفعل السحري بحياتي فبقيت ممتنة، رغم أنه ينكر عليّ هويتي الأصلية وأتقنع بهوية ورقية تبعدني عن شبح ما يعرف بالوثيقة الفلسطينية، وما تجره على صاحبها من خيبات وحصار وردات فعل..

قسُمت أيامي في الحياة حتى اليوم بين بعض المدن العربية، فمع أحداث اجتياح العراق للكويت واجتياح العالم للعراق.. وجدت وعائلتي أننا طرف في حسبة الاصطفافات السياسية في المنطقة يومها تحققت لأبي مقولته الشهيرة والتي كانت تضحكنا ونصنفه مصابا بفوبيا الارتحال، قبل أن ندرك مدى واقعيتها (من لا يملك وطناً عليه دائماً أن يكون على سفر مع كل حقائبه)..

لست أسرد سيرتي الشخصية والتي لن تضيف لاهتمامكم شيئاً، فهي تعلقت بخيارات تابعة للحدث السياسي دوماً أكثر من تعلقها بخياراتي الفردية.. ولست بصدد الاستغراق في ما يعرف بالهم الوطني والمزايدة الشعاراتية .. فأنا عملت على سلخ جلدي القبلي وسلمت انتماءاتي لوطن الأفكار التي أؤمن بها أكثر منه لعصبة القبيلة .. فجاءت فلسطين بعد ذلك أقصدها انتماءً بفعل الفكرة العادلة وليس بفعل الرابطة القبلية .. ولست أزايد على معاناة كثيرين في الوطن أو ما بقي منه أو خارجه، فأعتقد أنني ابنة مرفهة للقضية إذا ما قورنت بكثيرين عانوا التشتت والارتحال والظلم والاضطهاد خارج الوطن وداخله .. ولست هاتفه لعقدة الاضطهاد الفلسطينية فنحن تبادلنا وأنفسنا وتبادلنا مع غيرنا الأخطاء والأخطاء الكثيرة ..

باختصار أنا اليوم كغيري ممن لا يفهم في السياسة، أمد يدي للتطاول عليها والحديث عنها بعد ما حدث ويحدث في المشهد العربي 2011.. الفلسطيني اليوم، وأخص من هو لاجئ في البلدان العربية، عندما تراوده وساوس الأفكار الثورية، أو يتخبط بأسئلة حول مستقبل المشهد العربي .. أو يحزنه دم الشهداء في بعض مناطق الثورة .. أو ينسى أنه ابن غير شرعي للمكان الذي ولد وعاش فيه بمدينة تحتضن شتاته .. الفلسطيني اليوم أين يضع أسئلته ومشاعره وأفكاره؟ مناغشات الحرية التي حلم بها؟ أو كلمة الحق التي لا وطن لها؟ أو حتى ولاءه لمن يعتقد أنه يحب أو يرضى به؟ أو أو أو؟ ... هذه كلها تغادر اليوم ليس أبعد من خيمته التي يسكن ولو مجازياً..

الفلسطيني تعلم الدرس السابق جيداً .. أدرك خطورة اللعب خارج حدود جغرافيا خيمته، فالفكرة النبيلة ليس بالضرورة أن تتحقق في شوارع البلدان المستضيفة لتهجيره .. هو اليوم مستكين إلى إحساس الامتنان لوجوده وحسن الضيافة في البلد المضيف مرة .. أو مستكين لخوفه وأشباح ذاكرته القريبة .. ذاكرة الطرد وإعادة التهجير كما حدث في الكويت بعد تحريرها. أو كما حدث له عندما ارتمى بلمح البصر على الحدود الليبية المصرية بعد أوسلو. هل يكون شاكراً لنظام أحترمه فيجد نفسه مهجرا لخيمة جديدة على حدود ذلك الوطن بعد سقوط نظام، قدم له الولاء ورأى في حاكم ظالم نصيرا لقضيته، كما حدث بعد سقوط نظام صدام وسلسلة الانتقامات التي مورست على الفلسطينيين بعد ذلك من قتل وتهجير لصالح الفوضى؟ أم هو ورقة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتنازعة وإثبات القوة في إحصائيات التعداد السني الشيعي كما حدث في نهر البارد وحطامه؟

الأمس كما اليوم جاء بواحدة من التصريحات الرسمية إشارة لمخيم الرملة في اللاذقية، وعن خروج مندسين أو مخربين منه. وإن لم تتم الإشارة صراحة للفلسطينيين بل فقط إلى جغرافيا يسكنونها. لمحت يومها مدى الرعب في عيون كل فلسطيني اعرفه. فهو لا يريد أن يرتحل وخيمته من جديد لحدود المجهول كما حدث في تجاربه السابقة. لا يعرف اليوم غير صمته.

تاركاً كل ما يراوده من مشاعر وأفكار .. فمهما كان خياره وعلى أي ضفة من النهر سيقف هو بالضرورة في خطر. الفلسطيني إن تحدث في أي من هذه الجغرافيا العربية لن يحسب على أطراف الاختلاف بالرأي. إن ارتكب حماقة إبداء الرأي أو التظاهر لصالح طرف من النظام أو من يعارضه، فهو إما مندس إما سبب في أزمة البطالة إما مزايد على الشرفاء إما تابع لأجندة عميلة خارجية، إما موال مستفيد، إما مخرب حشاش (يا يا يا يا يا يا هالفلسطيني شو كتير غلبة )..

دعوه وخيمته فهو لم يعد يرفع رأسه خارجها. تعلم الدرس جيداً وتعلم كيف كان كبش الفداء أو من هو بوجه المدفع أو حتى بصفته ناكر للجميل .. فأرجو من كل نظام ومن كل ثورة أن تعلم جيداً أن الفلسطيني اليوم لم يعد ُيخرج رأسه من خيمته للأسف، لأنه ملّ ارتحاله وملّ دفع الضرائب .. هو ساكت عن الحق واللاّ حق للأسف لأنه حفظ الدرس جيداً.

كاتبة فلسطينية

تصميم وتطوير